القلب السليم
للكاتب : متنوع
أبو
فهد زميل عمل يبلغ من العمر نحو 50 عامًا، في ليلة وبمناسبة سَكَنِه في
منزل جديد، أقام مأدبة عشاء للزملاء، لبيت العزيمة وليتني لم ألبيها، يعلم
الله بأني ندمت على ذهابي خلوكم متابعين وبقولكم لمَ الندم.
تجمع الزملاء وذهبنا إلى منزله، بيننا المسن والشاب، لفيف من الزملاء أكتظ
بهم مجلسه، ثلاثة من أطفاله أخذوا مكانا في طرف المجلس (محمد وأنس ومعاذ).
كان أبو فهد يصب القهوة بشوشًا ضاحكًا فرحًا، أتت اللحظة الحاسمة والتي
قلبت فيها كيانه، قلبت فرحه لحزن، وأبكيته دون أن أعلم ما يخفي هذا
الخمسيني.
لم يرق لي صب (أبو فهد) للقهوة، كبير في السن ويصب القهوة لنا الشباب لم أتعودها في محيطي
وقمت وألحّيت عليه كي أصبها، لكنه حلف وأجبرني على الجلوس، قلت له ممتعضًا
وين فهد ليه ما يجي يقابل الرجال ويساعد أبوه، لم أكن أعرف عن فهد إلا أنه
ابنه البكر ولهذا تمت تسميته أبو فهد.
كنت منتقل حديثًا للإدارة ولم أعرف أسرار الزملاء ولا أي أمر خاص لهم،
كانوا بالنسبة لي صناديق مغلقة، لا أعرف عن حياتهم الخاصة أي شيء.
عندما سألت عن فهد، صمت المجلس عن بكرة أبيه، وتغيرت ملامح أبي فهد، اختفت الابتسامة، ولجمت الألسن، علمت أني جبت العيد، وصمت.
لاح بوجهه بعد أن وضع الدلة على الطاولة، وخرج من المجلس وتبعه أطفاله الثلاثة، التفت على زميلي اللي جلس إلى جواري.
وقلت: وش فيه؟
قال: فهد ميت، وإنت جبت العيد.
قلت: متى؟
قال: من 10 سنوات.
يااااااه عشر سنوات وما زال يذكره، يا لرقتك يا أبافهد.
عاد أبوفهد بعد أن أفرغ ما به وأثار البكاء بادية على وجهه، تعشينا، وأصريت أن أبقى حتى رحيل آخر الضيوف وأقدم له العذر.
بالفعل عندما رحل آخر الزملاء اقتربت منه، وقلت: أنا آسف لم أعلم أن فهد ميت، هذا قدره، وهو طريق سيمشيه الجميع.
التفت علي وقال: حصل خير، لا تعتذر فذكراه لا تغيب.
قلت: ولكن يا أبو فهد عشر سنوات وأنت تبكيه، أين الإيمان بالقدر.
قال: أنا مؤمن بالقدر، حزني لم يكن للوفاة!! فقد فقدت معه طفلة أخرى في
حادث وقع لنا ونحن عائدون للرياض قادمين من أبها في إحدى الإجازات الصيفية
ولم أبكها كما بكيته.
مات وهو يبكي..
مات بعد أن أغضبته..
مات بعد أن ضربته..
مات قبل أن أضمه..
لم أطيب خاطره..
كان أبو فهد قادمًا من أبها بصحبة عائلته، كان فهد عمره عشر سنوات، وكان في
المقعد الخلفي لاهيًا ومسببًا إزعاجًا لوالده، لم يحتمل أبو فهد الأمر،
ونزل العقال وضربه ضربًا مبرحًا.
بكى فهد، وتألم والده، تألم ومع ذلك قال في نفسه، سأراضيه في الرياض!!
وقع الحادث وفهد يجهش بالبكاء، مات فهد وطفلة رضيعة، وأصيبت بقية العائلة وتم نقلهم للرياض على طائرة إخلاء طبي.
يقول أبو فهد: ليته يعود لو لساعة، مات والحسرة في صدري، فقط أرغب في ضمه
ومسح دموعه، أنا مؤمن بالقضاء والقدر، ولكن ما زالت الحسرة في قلبي.
مات وهو غاضب، مات وهو باكٍ، مات دون أن أضمه إلى صدري وأطيب خاطره.
ليت الليالي تعود..
******
نقسو على من نحب، ونردد الأيام كفيلة بإرضائهم، ولا نعلم أن الموت ربما يكون له رأي آخر.
قريب لي ماتت والدته وهي غاضبة عليه، ماتت وهو يسوف ويقول غدًا أطيب خاطرها، ماتت قبل غد!!
وبقيت الحسرة في صدره منذ موتها، ولن تتركه الحسرة إلا برحيله.
******
زوج خرج من بيته وقد أغضبته زوجته، وكانت (ترضيته بأسلوب ما) كفيلة بأن تذيب جليد هذا الغضب!! كرامتها أبت عليها!
وقالت: أخبئها له حين يعود!!
لكنه، خرج ولم يعد!!
******
زوجة تركها زوجها بين جدران بيتها تموت كمدًا وظلمًا، خرج، وعناده يؤزّه ألاّ يطيّب خاطرها.
هو عند عتبة الباب، كان يخبّئ لها (وردة مخمليّة) وهو عائد إليها، لكنه، دخل فوجدها مسجاة على فراش الموت!!
******
ابن عاق يجرّ باب البيت بقوة -ومن خلفه أم
تبكي أو أب يندب حسرة!- لاهثًا وراء رغبات الصحبة والرفقة، جعلته يؤجّل أن
ينطرح عند قدميهما يقبّلهما إرضاءً واعتذارًا، أغلق الباب وهو يحدّث نفسه،
حينما أعود أرضيهما!
لم يعد إلاّ بصوت هاتف يهاتفه (عظم الله أجرك) فيهما!!
******
لي .. ولك .. ولكل إنسان يحمل بين جنبيه قلب (مسلم): تذكر دائمًا لا تُغضب غاليًا، ثم تؤجّل إرضاءه إلى غد!!
للكاتب : متنوع
أبو
فهد زميل عمل يبلغ من العمر نحو 50 عامًا، في ليلة وبمناسبة سَكَنِه في
منزل جديد، أقام مأدبة عشاء للزملاء، لبيت العزيمة وليتني لم ألبيها، يعلم
الله بأني ندمت على ذهابي خلوكم متابعين وبقولكم لمَ الندم.
تجمع الزملاء وذهبنا إلى منزله، بيننا المسن والشاب، لفيف من الزملاء أكتظ
بهم مجلسه، ثلاثة من أطفاله أخذوا مكانا في طرف المجلس (محمد وأنس ومعاذ).
كان أبو فهد يصب القهوة بشوشًا ضاحكًا فرحًا، أتت اللحظة الحاسمة والتي
قلبت فيها كيانه، قلبت فرحه لحزن، وأبكيته دون أن أعلم ما يخفي هذا
الخمسيني.
لم يرق لي صب (أبو فهد) للقهوة، كبير في السن ويصب القهوة لنا الشباب لم أتعودها في محيطي
وقمت وألحّيت عليه كي أصبها، لكنه حلف وأجبرني على الجلوس، قلت له ممتعضًا
وين فهد ليه ما يجي يقابل الرجال ويساعد أبوه، لم أكن أعرف عن فهد إلا أنه
ابنه البكر ولهذا تمت تسميته أبو فهد.
كنت منتقل حديثًا للإدارة ولم أعرف أسرار الزملاء ولا أي أمر خاص لهم،
كانوا بالنسبة لي صناديق مغلقة، لا أعرف عن حياتهم الخاصة أي شيء.
عندما سألت عن فهد، صمت المجلس عن بكرة أبيه، وتغيرت ملامح أبي فهد، اختفت الابتسامة، ولجمت الألسن، علمت أني جبت العيد، وصمت.
لاح بوجهه بعد أن وضع الدلة على الطاولة، وخرج من المجلس وتبعه أطفاله الثلاثة، التفت على زميلي اللي جلس إلى جواري.
وقلت: وش فيه؟
قال: فهد ميت، وإنت جبت العيد.
قلت: متى؟
قال: من 10 سنوات.
يااااااه عشر سنوات وما زال يذكره، يا لرقتك يا أبافهد.
عاد أبوفهد بعد أن أفرغ ما به وأثار البكاء بادية على وجهه، تعشينا، وأصريت أن أبقى حتى رحيل آخر الضيوف وأقدم له العذر.
بالفعل عندما رحل آخر الزملاء اقتربت منه، وقلت: أنا آسف لم أعلم أن فهد ميت، هذا قدره، وهو طريق سيمشيه الجميع.
التفت علي وقال: حصل خير، لا تعتذر فذكراه لا تغيب.
قلت: ولكن يا أبو فهد عشر سنوات وأنت تبكيه، أين الإيمان بالقدر.
قال: أنا مؤمن بالقدر، حزني لم يكن للوفاة!! فقد فقدت معه طفلة أخرى في
حادث وقع لنا ونحن عائدون للرياض قادمين من أبها في إحدى الإجازات الصيفية
ولم أبكها كما بكيته.
مات وهو يبكي..
مات بعد أن أغضبته..
مات بعد أن ضربته..
مات قبل أن أضمه..
لم أطيب خاطره..
كان أبو فهد قادمًا من أبها بصحبة عائلته، كان فهد عمره عشر سنوات، وكان في
المقعد الخلفي لاهيًا ومسببًا إزعاجًا لوالده، لم يحتمل أبو فهد الأمر،
ونزل العقال وضربه ضربًا مبرحًا.
بكى فهد، وتألم والده، تألم ومع ذلك قال في نفسه، سأراضيه في الرياض!!
وقع الحادث وفهد يجهش بالبكاء، مات فهد وطفلة رضيعة، وأصيبت بقية العائلة وتم نقلهم للرياض على طائرة إخلاء طبي.
يقول أبو فهد: ليته يعود لو لساعة، مات والحسرة في صدري، فقط أرغب في ضمه
ومسح دموعه، أنا مؤمن بالقضاء والقدر، ولكن ما زالت الحسرة في قلبي.
مات وهو غاضب، مات وهو باكٍ، مات دون أن أضمه إلى صدري وأطيب خاطره.
ليت الليالي تعود..
******
نقسو على من نحب، ونردد الأيام كفيلة بإرضائهم، ولا نعلم أن الموت ربما يكون له رأي آخر.
قريب لي ماتت والدته وهي غاضبة عليه، ماتت وهو يسوف ويقول غدًا أطيب خاطرها، ماتت قبل غد!!
وبقيت الحسرة في صدره منذ موتها، ولن تتركه الحسرة إلا برحيله.
******
زوج خرج من بيته وقد أغضبته زوجته، وكانت (ترضيته بأسلوب ما) كفيلة بأن تذيب جليد هذا الغضب!! كرامتها أبت عليها!
وقالت: أخبئها له حين يعود!!
لكنه، خرج ولم يعد!!
******
زوجة تركها زوجها بين جدران بيتها تموت كمدًا وظلمًا، خرج، وعناده يؤزّه ألاّ يطيّب خاطرها.
هو عند عتبة الباب، كان يخبّئ لها (وردة مخمليّة) وهو عائد إليها، لكنه، دخل فوجدها مسجاة على فراش الموت!!
******
ابن عاق يجرّ باب البيت بقوة -ومن خلفه أم
تبكي أو أب يندب حسرة!- لاهثًا وراء رغبات الصحبة والرفقة، جعلته يؤجّل أن
ينطرح عند قدميهما يقبّلهما إرضاءً واعتذارًا، أغلق الباب وهو يحدّث نفسه،
حينما أعود أرضيهما!
لم يعد إلاّ بصوت هاتف يهاتفه (عظم الله أجرك) فيهما!!
******
لي .. ولك .. ولكل إنسان يحمل بين جنبيه قلب (مسلم): تذكر دائمًا لا تُغضب غاليًا، ثم تؤجّل إرضاءه إلى غد!!