أرجى آية في كتاب الله
للكاتب : محمد نصر
تكلم
العلماء كثيرًا عن أرجى آية في كتاب الله -تعالى-، التي تفتح أبواب الأمل
على مصراعيه أمام العصاة المذنبين من أمثالنا فتلين قلوبهم لذكر الله،
وسأعرض هنا مثالين استفدتهما من شرح الشيخ المقدم وتفسير القرطبي، لعل
القلوب تلين لرب العالمين.
الآية الأولى:
قال علي -رضي الله تعالى عنه-: "أرجى آية في كتاب الله قول الله -تعالى-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}
[الشورى:30]، ثم قال: وإذا كان يكّفر عني بالمصائب ويعفو عن كثير، فأي شيء
يبقى بعد كفارته وعفوه؟!". نسأل الله لنا ولكم العفو و العافية في الدنيا
والآخرة.
الآية الثانية:
قال -تعالى- في سورة النور: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو
الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى
وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا
وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]
يقول -تعالى-: {وَلا يَأْتَلِ} من الألية، (وهي: الحلف) أي: لا يحلف، {أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} أي: الطول والصدقة والإحسان، {وَالسَّعَةِ} {أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: لا تحلفوا ألا تصلوا قراباتكم المساكين والمهاجرين. وهذه في غاية الترفق والعطف على صلة الأرحام; ولهذا قال: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} أي: عما تقدم منهم من الإساءة والأذى، وهذا من حلمه -تعالى- وكرمه ولطفه بخلقه مع ظلمهم لأنفسهم.
وهذه الآية نزلت في الصديق، حين حلف ألا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة بعدما
قال في عائشة ما قال، كما تقدم في الحديث. فلما أنزل الله براءة أم
المؤمنين عائشة، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت، وتاب الله على من كان تكلم
من المؤمنين في ذلك، وأقيم الحد على من أقيم عليه - شرع -تبارك وتعالى-،
وله الفضل والمنة، يعطف الصديق على قريبه ونسيبه، وهو مسطح بن أثاثة، فإنه
كان ابن خالة الصديق، وكان مسكينًا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر
-رضي الله عنه-، وكان من المهاجرين في سبيل الله، وقد ولق ولقة تاب الله
عليه منها، وضرب الحد عليها. وكان الصديق -رضي الله عنه-، معروفًا
بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب. فلما نزلت هذه الآية
إلى قوله: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي:
فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك، وكما تصفح
نصفح عنك. فعند ذلك قال الصديق: بلى، والله إنا نحب -يا ربنا- أن تغفر لنا .
ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا،
في مقابلة ما كان قال: والله لا أنفعه بنافعة أبدًا، فلهذا كان الصديق هو
الصديق -رضي الله عنه وعن بنته-.
قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في
كتاب الله، وقال بعض العلماء: هذه أرجى آية في كتاب الله -تعالى- من حيث
لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ، فنسأل الله أن يعفو عنا وعنكم.
ثم يتبقى شيئان، أولهما: أن نشكر ربنا على سعة رحمته بنا وحلمه علينا، وثانيهما: أن نتذكر أن الله شديد العقاب: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ (50)} [الحجر]، فنحن بين خوف ورجاء، ونسأل الله أن يعاملنا وإياكم بعفوه ورحمته.
للكاتب : محمد نصر
تكلم
العلماء كثيرًا عن أرجى آية في كتاب الله -تعالى-، التي تفتح أبواب الأمل
على مصراعيه أمام العصاة المذنبين من أمثالنا فتلين قلوبهم لذكر الله،
وسأعرض هنا مثالين استفدتهما من شرح الشيخ المقدم وتفسير القرطبي، لعل
القلوب تلين لرب العالمين.
الآية الأولى:
قال علي -رضي الله تعالى عنه-: "أرجى آية في كتاب الله قول الله -تعالى-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}
[الشورى:30]، ثم قال: وإذا كان يكّفر عني بالمصائب ويعفو عن كثير، فأي شيء
يبقى بعد كفارته وعفوه؟!". نسأل الله لنا ولكم العفو و العافية في الدنيا
والآخرة.
الآية الثانية:
قال -تعالى- في سورة النور: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو
الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى
وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا
وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]
يقول -تعالى-: {وَلا يَأْتَلِ} من الألية، (وهي: الحلف) أي: لا يحلف، {أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} أي: الطول والصدقة والإحسان، {وَالسَّعَةِ} {أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: لا تحلفوا ألا تصلوا قراباتكم المساكين والمهاجرين. وهذه في غاية الترفق والعطف على صلة الأرحام; ولهذا قال: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} أي: عما تقدم منهم من الإساءة والأذى، وهذا من حلمه -تعالى- وكرمه ولطفه بخلقه مع ظلمهم لأنفسهم.
وهذه الآية نزلت في الصديق، حين حلف ألا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة بعدما
قال في عائشة ما قال، كما تقدم في الحديث. فلما أنزل الله براءة أم
المؤمنين عائشة، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت، وتاب الله على من كان تكلم
من المؤمنين في ذلك، وأقيم الحد على من أقيم عليه - شرع -تبارك وتعالى-،
وله الفضل والمنة، يعطف الصديق على قريبه ونسيبه، وهو مسطح بن أثاثة، فإنه
كان ابن خالة الصديق، وكان مسكينًا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر
-رضي الله عنه-، وكان من المهاجرين في سبيل الله، وقد ولق ولقة تاب الله
عليه منها، وضرب الحد عليها. وكان الصديق -رضي الله عنه-، معروفًا
بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب. فلما نزلت هذه الآية
إلى قوله: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي:
فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك، وكما تصفح
نصفح عنك. فعند ذلك قال الصديق: بلى، والله إنا نحب -يا ربنا- أن تغفر لنا .
ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا،
في مقابلة ما كان قال: والله لا أنفعه بنافعة أبدًا، فلهذا كان الصديق هو
الصديق -رضي الله عنه وعن بنته-.
قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في
كتاب الله، وقال بعض العلماء: هذه أرجى آية في كتاب الله -تعالى- من حيث
لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ، فنسأل الله أن يعفو عنا وعنكم.
ثم يتبقى شيئان، أولهما: أن نشكر ربنا على سعة رحمته بنا وحلمه علينا، وثانيهما: أن نتذكر أن الله شديد العقاب: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ (50)} [الحجر]، فنحن بين خوف ورجاء، ونسأل الله أن يعاملنا وإياكم بعفوه ورحمته.