المغرور
للكاتب : متنوع
كان يعيش في إحدى القرى السورية
فلاح شديد الاعتداد بنفسه وبقوته الجسمية التي وهبها له الله خالق كل شيء،
فكان هذا الفلاح يقطع طريق المقبرة ليلا وهو عائد إلى بيته، عوضا عن قطع
الطريق الآخر الذي يقطعه أهل القرية في غدوهم ورواحهم من القرية وإليها،
فحذَّر نفر من أهل القرية ذاك الفلاح من محاذير قطع طريق المقبرة ليلا،
ولكن هذا الفلاح المغرور بقوته لم يعر تحذيرهم أي اهتمام، بل كان يفاخر
بقطعه طريق المقبرة دون غيره من رجال القرية.
واتفق أن كان فلاح من قرية أخرى يسير في طريقه إلى قريته المجاورة، فأدركه
الليل، فلم يجد بدا من قطع طريق المقبرة تلك للوصول إلى قريته في أسرع وقت،
فمضى يمشي في طريقه قاطعا مسافة الطريق داخل المقبرة، وهو يتراكض، فلم يصل
إلى نهاية الطريق، وبدت لعينيه بوابة المقبرة الكبيرة التي ينتصب فوقها
فانوس صغير حتى غمرته الفرحة وزال عنه الخوف، فأخذ يسرع في سيره نحوها،
فإذا به في تلك الأثناء يحيد قليلا عن الطريق ويسقط في قبر مفتوح لاستقبال
ساكن جديد، فتملكه الخوف ودب في قلبه الرعب، وأخذ يصرخ وينادي على المارة
بأعلى صوته مستعينا، ولكن ما من مجيب، فحاول بكل وسيلة الخروج من تلك
الحفرة دون جدوى، وأمام الحالة تلك استسلم للأمر، وقرر أن ينام ليلته في
حفرة القبر، وما هي إلا لحظات مضت عليه وهو جالس في زاوية القبر حتى غلبه
النعاس، ونام من شدة تعبه.
وبعد برهة وجيزة من الوقت دخل المقبرة الفلاح المغرور الذي اعتاد أن يقطع
طريق المقبرة في كل ليلة، وأخذ يمشي في طريقها كعادته، وشاءت المقادير أن
يسقط في الحفرة ذاتها التي سقط فيها الفلاح الآخر. فشعر أن قلبه سبقه إلى
الأرض في سقوطه، فحاول جهده أن يخرج من حفرة القبر والخوف والهلع قد أخذ
بجوامع عقله، فأخفق في مسعاه للخروج من الحفرة لمرات عدة، وفي هذه الأثناء
استيقظ الفلاح الآخر، فقام إلى زميله ليهمس في أذنه: لقد حاولت الخروج من
هذا القبر قبلك، يا سيدي لكني لم أفلح فتعال نمضي ليلتنا معا، ولم يكمل
الفلاح المسكين كلماته تلك حتى خرَّ الفلاح المغرور على أرض الحفرة ميتا من
شدة خوفه، فقد ظن أن ساكن القبر هو الذي أسمعه تلك الكلمات (1).
وهكذا مهما طال الوقت، فإن للمغرور والمتكبر نهاية لا يتوقعها، فلا يغتر
أحدنا بقوته، ولا بماله ولا بجاهه وليكن متواضعا، فمن تواضع لله رفعه، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته إذ خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة» (2).
للكاتب : متنوع
كان يعيش في إحدى القرى السورية
فلاح شديد الاعتداد بنفسه وبقوته الجسمية التي وهبها له الله خالق كل شيء،
فكان هذا الفلاح يقطع طريق المقبرة ليلا وهو عائد إلى بيته، عوضا عن قطع
الطريق الآخر الذي يقطعه أهل القرية في غدوهم ورواحهم من القرية وإليها،
فحذَّر نفر من أهل القرية ذاك الفلاح من محاذير قطع طريق المقبرة ليلا،
ولكن هذا الفلاح المغرور بقوته لم يعر تحذيرهم أي اهتمام، بل كان يفاخر
بقطعه طريق المقبرة دون غيره من رجال القرية.
واتفق أن كان فلاح من قرية أخرى يسير في طريقه إلى قريته المجاورة، فأدركه
الليل، فلم يجد بدا من قطع طريق المقبرة تلك للوصول إلى قريته في أسرع وقت،
فمضى يمشي في طريقه قاطعا مسافة الطريق داخل المقبرة، وهو يتراكض، فلم يصل
إلى نهاية الطريق، وبدت لعينيه بوابة المقبرة الكبيرة التي ينتصب فوقها
فانوس صغير حتى غمرته الفرحة وزال عنه الخوف، فأخذ يسرع في سيره نحوها،
فإذا به في تلك الأثناء يحيد قليلا عن الطريق ويسقط في قبر مفتوح لاستقبال
ساكن جديد، فتملكه الخوف ودب في قلبه الرعب، وأخذ يصرخ وينادي على المارة
بأعلى صوته مستعينا، ولكن ما من مجيب، فحاول بكل وسيلة الخروج من تلك
الحفرة دون جدوى، وأمام الحالة تلك استسلم للأمر، وقرر أن ينام ليلته في
حفرة القبر، وما هي إلا لحظات مضت عليه وهو جالس في زاوية القبر حتى غلبه
النعاس، ونام من شدة تعبه.
وبعد برهة وجيزة من الوقت دخل المقبرة الفلاح المغرور الذي اعتاد أن يقطع
طريق المقبرة في كل ليلة، وأخذ يمشي في طريقها كعادته، وشاءت المقادير أن
يسقط في الحفرة ذاتها التي سقط فيها الفلاح الآخر. فشعر أن قلبه سبقه إلى
الأرض في سقوطه، فحاول جهده أن يخرج من حفرة القبر والخوف والهلع قد أخذ
بجوامع عقله، فأخفق في مسعاه للخروج من الحفرة لمرات عدة، وفي هذه الأثناء
استيقظ الفلاح الآخر، فقام إلى زميله ليهمس في أذنه: لقد حاولت الخروج من
هذا القبر قبلك، يا سيدي لكني لم أفلح فتعال نمضي ليلتنا معا، ولم يكمل
الفلاح المسكين كلماته تلك حتى خرَّ الفلاح المغرور على أرض الحفرة ميتا من
شدة خوفه، فقد ظن أن ساكن القبر هو الذي أسمعه تلك الكلمات (1).
وهكذا مهما طال الوقت، فإن للمغرور والمتكبر نهاية لا يتوقعها، فلا يغتر
أحدنا بقوته، ولا بماله ولا بجاهه وليكن متواضعا، فمن تواضع لله رفعه، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته إذ خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة» (2).